دراسة: حتى أغنى الدول بما فيها منتجو النفط تحصل على تمويل مناخي
إسطنبول، 15 نوفمبر (هيبيا) – تُظهر البيانات أن بعض أكبر اقتصادات العالم مثل الصين، وكذلك الدول النفطية الغنية مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، تُعد من بين البلدان التي تتلقى مبالغ كبيرة من التمويل المخصص للمناخ.
كشف تحليل أجرته منظمة Carbon Brief، ومقرها المملكة المتحدة والمتخصصة في علم وسياسات تغير المناخ، بالتعاون مع صحيفة الغارديان، لطلبات غير مُبلّغ عنها سابقاً إلى الأمم المتحدة (الأمم المتحدة) وبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، عن كيفية استخدام مليارات الدولارات من الأموال العامة في مكافحة الاحترار العالمي.
وتبيّن الدراسة، التي نُشرت بينما تستمر في البرازيل أعمال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2025 (كوب 30)، أن هناك نظاماً يعمل بشكل عام يقوم على تحويل رأس المال من الملوِّثين الأغنياء إلى الدول الهشة، لمساعدتها على تنظيف اقتصاداتها والتكيف مع عالم أكثر حرارة.
لكن الدراسة أظهرت أيضاً أن جزءاً كبيراً من توزيع هذه الأموال لا يخضع لرقابة مركزية ويُترك بالكامل لتقدير الدول، ما يجعله عرضة للتأثر بالمصالح السياسية، وبالتالي لا تُوجَّه الموارد دائماً إلى الأماكن التي تحتاجها أكثر من غيرها.
وعلى الرغم من أن البيانات الرسمية ليست شاملة بما يكفي لتتبع جميع متلقي التمويل المناخي، فإن تحليل الغارديان كشف أن نحو خُمس الأموال في عامي 2021 و2022 ذهب إلى 44 من أفقر بلدان العالم، المعروفة بالبلدان الأقل نمواً. وكان جزء كبير من هذه الأموال في صورة قروض وليس منحاً.
وتلقت بعض هذه البلدان الأقل نمواً أكثر من ثلثي التمويل المناخي في شكل قروض، مع شروط سداد قد تدفع حكوماتها إلى الوقوع في فخ ديون أعمق. ففي بنغلاديش وأنغولا، وصلت حصة القروض إلى 95 في المئة أو أكثر.
وتقدم غالبية الدول المتقدمة في العالم تمويلاً لدعم العمل المناخي في الدول النامية بشكل ثنائي ومن خلال مؤسسات متعددة الأطراف مثل بنوك التنمية. وفي قمة للأمم المتحدة عُقدت في كوبنهاغن عام 2009، اعترفت الدول الغنية بمسؤوليتها الأكبر عن إفساد المناخ وبقدرتها على تمويل الحلول، وتعهدت بتعبئة 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020.
غير أن تحليل أحدث التقارير، التي تغطي أكثر من 20 ألف مشروع عالمي في عامي 2021 و2022 – وهما العامان اللذان تحقق فيهما هدف كوبنهاغن ولو متأخراً – يبيّن أن مبالغ كبيرة تدفقت نحو الدول النفطية وإلى الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
الإمارات العربية المتحدة، وهي مُصدّر رئيسي للوقود الأحفوري وتتمتع بنصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي مماثل لفرنسا وكندا، حصلت على أكثر من مليار دولار من القروض اليابانية المُسجّلة كتمويل مناخي. ومن بين المشروعات مشروع لنقل الكهرباء بحراً قبالة أبوظبي بقيمة 625 مليون دولار، ومحطة لحرق النفايات في دبي بقيمة 452 مليون دولار.
أما السعودية، التي تُعد من بين أكبر عشرة باعثين لانبعاثات الكربون في العالم بسبب حقولها النفطية الضخمة وحصتها الكبرى في أرامكو، فقد تلقت نحو 328 مليون دولار من القروض اليابانية – 250 مليون دولار لشركة كهرباء و78 مليون دولار لمحطة للطاقة الشمسية.
وقال جو ثويتس، وهو مدافع عن التمويل المناخي في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، إن التدفقات الإجمالية للتمويل المناخي قد ازدادت، لكنها لا تصل إلى “قدر كافٍ” إلى أفقر وأشد المجتمعات هشاشة، مشيراً إلى أن الدول المثقلة بالديون بحاجة إلى مزيد من المنح والقروض الميسّرة.
وأضاف: “هذا ليس عملاً خيرياً. إنه استثمار استراتيجي يعالج الأسباب الجذرية للعديد من الأزمات التي نراها يومياً: كلفة المعيشة، تعطل سلاسل الإمداد، الكوارث الطبيعية، النزوح القسري والنزاعات”.
وخلال العامين اللذين شملهما التحليل، جرى التعهد بنحو 33 مليار دولار للبلدان الأقل نمواً مثل هايتي ومالي والنيجر وسيراليون وجنوب السودان واليمن. وذهب مبلغ أكبر بكثير – حوالي 98 مليار دولار – إلى البلدان النامية. ويشمل هذا الطيف الأوسع دولاً ذات الدخل المتوسط الأدنى مثل الهند، ودولاً ذات الدخل المتوسط الأعلى مثل الصين. بينما تعذّر تصنيف نحو 32 مليار دولار. وكانت الهند أكبر متلقٍ منفرد للتمويل بحوالي 14 مليار دولار في فترة التقرير، في حين تلقت الصين نحو 3 مليارات دولار، في الغالب من بنوك متعددة الأطراف.
ويُظهر التحليل أن ضعف تمثيل البلدان الأقل نمواً يعكس جزئياً صِغر حجم سكانها، غير أن تكوين مجموعة البلدان النامية أصبح مصدر توتر متزايد في مفاوضات المناخ.
فعلى سبيل المثال، شهد الاقتصاد الصيني نمواً هائلاً منذ أن صنّفته الأمم المتحدة كبلد نامٍ في تسعينيات القرن الماضي، وتجاوزت الانبعاثات للفرد مستويات أوروبا. ورغم اعتبار الصين مُموّلاً رئيسياً لمشروعات مناخية في الخارج، فإنها تقاوم الجهود الرامية إلى احتساب مساهماتها بشكل رسمي. كما لم تتغير فئات التنمية لدى الأمم المتحدة منذ إنشائها عام 1992.
وقالت سارة كولنبراندَر، مديرة برنامج المناخ في معهد Overseas Development Institute: “هذا الوضع يسمح لدول أصبحت ثرية وتمتلك بصمة كربونية كبيرة خلال الثلاثين عاماً الماضية – مثل إسرائيل وكوريا وقطر وسنغافورة والإمارات – بالتهرب من مسؤولياتها الدولية. من العبث أن تبقى هذه الدول في الفئة نفسها مع دول مثل توغو وتونغا وتنزانيا”.
وتتلقى بعض أفقر دول العالم أكثر من ثلثي تمويلها المناخي على شكل قروض، رغم التحذيرات من أن الكثير منها لن يكون قادراً على الوفاء بشروط السداد ودفع الفوائد.
وقالت ريتو بهارادواج، مديرة برنامج التمويل المناخي في المعهد الدولي للبيئة والتنمية، إن “القصة الخفية للتمويل المناخي لا تكمن في حجم التعهدات بل في أشكالها. فالتمويل المناخي يزيد العبء المالي على الدول الفقيرة. وحتى عندما يكون المال في صورة قرض ميسّر، غالباً ما تتضمن هذه القروض شروطاً قد تصب في مصلحة المانح أكثر من المستفيد”.
ووفقاً لبيانات البنك الدولي، سددت البلدان الأقل نمواً خلال الفترة نفسها نحو 91.3 مليار دولار كمدفوعات على ديونها الخارجية، وهو مبلغ يعادل ثلاثة أضعاف موازناتها المخصصة للتمويل المناخي. وخلال العقد الماضي، تضاعفت ثلاث مرات مدفوعات خدمة الديون الخارجية لأفقر البلدان، من 14.3 مليار دولار في عام 2012 إلى 46.5 مليار دولار في عام 2022.
وقالت شاكيرا مصطفى، خبيرة التمويل في مركز معني بالحماية من الكوارث: “وفق الفكرة التقليدية، لا يُعتبر الاستدانة أمراً سيئاً إذا استُخدم لتمويل الإنفاق الذي يعزز النمو. لكن قلقي هو ما إذا كانت الدول تقترض ديوناً جديدة لسداد ديونها القديمة، وهل نحن بالفعل لا نفعل سوى تأجيل المشكلة إلى وقت لاحق”.
Hibya Haber Ajansı وكالة الأنباء العربية